آخر المواضيع
dateالسبت مارس 30, 2013 11:49 am
member
dateالجمعة فبراير 08, 2013 2:36 pm
member
dateالجمعة فبراير 08, 2013 2:35 pm
member
dateالجمعة فبراير 08, 2013 2:34 pm
member
dateالجمعة فبراير 08, 2013 2:34 pm
member
dateالجمعة فبراير 08, 2013 2:33 pm
member
dateالجمعة ديسمبر 28, 2012 9:33 am
member
dateالجمعة ديسمبر 28, 2012 9:33 am
member
dateالجمعة ديسمبر 28, 2012 9:32 am
member
dateالجمعة ديسمبر 28, 2012 9:30 am
member

خطبة الجمعة 1

best of joy
عضو مميز
best of joy
عضو مميز

خطبة الجمعة 1  Fmoper10
خطبة الجمعة 1  10
ذكر
عدد المساهمات : 150
خطبة الجمعة 1  Empty
خطبة الجمعة 1  Clock13 الإثنين يوليو 09, 2012 11:42 pm


الحج رحلة قلوب لا رحلة أبدان

الأضحية و شروط صحتها


لفضيلة الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي






الحمد
لله نحمده ، ونستعين به ، ونسترشده ، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا ، من يهده الله فلا مُضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ،
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، إقراراً بربوبيته ، وإرغاماً
لمن جحد به وكفر ، وأشهد أن سيدنا محمداً صلى الله عليه وسلم رسول الله ،
سيد الخلق والبشر ، ما اتصلت عين بنظر ، أو سمعت أذن بخبر ، اللهم صلِّ
وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين أمناء دعوته
وقادة ألويته و ارضَ عنا وعنهم يا رب العالمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات
الجهل والوهم ، إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات
القربات .





أيها الأخوة الكرام ، لا شك
أنكم متيقنون أن الموضوع عن الحج ، لأننا على مشارف عرفات ، فالحج كما
تعلمون هو الفريضة البدنية المالية الشعائرية ، وهي في حقيقتها ظاهرها أن
تسافر إلى بيت الله الحرام ، وأن تطوف وتسعى ، وأن تقف في عرفات ، لكن
حقيقتها رحلة قلوب لا رحلة أبدان ، رحلة نفوس لا رحلة أشباح ، لأن الله
سبحانه وتعالى يقول :

﴿ رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي
بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا
لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي
إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُون ﴾.

( سورة إبراهيم )

الصلاة
من أجل أن تتصل بالله ، والصيام من أجل أن تتصل بالله ، والزكاة من أجل أن
تتصل بالله ، والحج من أجل أن تتصل بالله ، لكن الصلوات الخمس يومياً ،
وخطبة الجمعة أسبوعياً ، ورمضان من عام إلى عام ، أما عبادة العمر هي رحلة
الحج .

النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( أنا دعوة أبي إبراهيم )) .

[البيهقي في شعب الإيمان عن العرباض]
﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ ﴾ .

( سورة البقرة الآية : 129 )

(( وبشارة أخي عيسي )) .

[البيهقي في شعب الإيمان عن العرباض]
﴿ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ (6) ﴾

(سورة الصف)

(( ورأت أمي حين حملتني أنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى )) .

[البيهقي في شعب الإيمان عن العرباض]




والله
أيها الأخوة ، هناك مؤامرات على هذا الدين من ألف وخمسمئة عام تنهد لها
الجبال ، ومع ذلك بقي الدين شامخاً ، وكل الفرق الضالة في الوحل ، الفرق
الضالة تؤله الأشخاص ، وتخفف التكاليف ، وتعتمد على نصوص ضعيفة أو موضوعة ،
ثم إنها ذات نزعة عدوانية ، أربع صفات تجمع كل فرقة ضالة ظهرت ، أين
القرامطة ؟ آلاف الفرق الضالة جاءت وأرادت تحويل هذا الدين العظيم تلاشت
واندثرت ، وبقي هذا الدين شامخاً ، وعظمة هذا الدين أنه كلما كافحته يزداد
قوة ، كان من الممكن أن يكون الكفار في كوكب آخر ، الله عز وجل على كل شيء
قدير ، وكان من الممكن أن يكونوا في قارة أخرى ، أو في حقبة أخرى ، ولكن
شاءت حكمة الله وهذا قراره الحكيم أن نعيش معاً ، ومعنى أن نعيش معاً أن
هناك معركة أزلية أبدية بين الحق والباطل ، لماذا ؟ لأن الحق لا يقوى إلا
بالتحدي ، كلما تحديته ازداد قوة ، ولأن الحق لا يستحق أهله الجنة إلا
بالبذل والتضحية هذا الحديث الرائع :

(( أنا دعوة أبي إبراهيم ، وبشارة أخي عيسي ، ورأت أمي حين حملتني أنه خرج منها نور أضاءت له قصور بصرى )) .

[البيهقي في شعب الإيمان عن العرباض]




مناسك الحج من شعائر الله ، قال تعالى :

﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ .

( سورة الحج )

قال بعض العلماء : أداء الشعيرة شيء وتعظيمها شيء آخر :

﴿ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ﴾ .

( سورة الحج )

من
تعظيمها أن يؤديها الحاج كما فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من
تعظيمها أن تؤديها على شوق وطيب نفس ، من تعظيمها ألا تتأفف وألا تتململ
منها ، من تعظيمها أن يؤديها الحاج وأن يتمنى أن يؤديها كل عام .





أيها
الأخوة ، الشيء المؤسف أشد الأسف أن الحاج يأتي من الحج تقام له الزينات ،
يحدثك عن كل شيء إلا الحج ، إلا عن هذه المشاعر ، هي مشاعر مقدسة معنى
مقدسة أنها بوتقة ينصهر بها قلب المؤمن حتى يتخلص من أدرانه ويعود طاهراً
كيوم ولدته أمه ، يعود نقي القلب ، صافي النفس ، تلك هي الغاية الكبرى من
الحج ، أرقى عبادة كأنها مستوى جامعي كبير .





أيها الأخوة الكرام ، يقول ربنا جلّ جلاله :

﴿ جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ ﴾

(سورة المائدة الآية : 97)

تقوم حياتهم ، يقوم إيمانهم ، تقوم مبادئهم ، تقوم قيمهم :

﴿
جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ
وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا
أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ﴾





دقق الآن :

﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ ﴾ .

( سورة الطلاق )

﴿ لِتَعْلَمُوا ﴾ .

( سورة الطلاق )

علة خلق السماوات والأرض أن تعلم أي أن تعرف الله :

﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾ .

( سورة الطلاق )





أنت
حينما تعلم أن الله يعلم وسيحاسب وسيعاقب تستقيم على أمره ، بالضبط حينما
توقن أن الله يعلم ، وسيحاسب ، وسيعاقب ، لا يمكن أن تعصيه ، أنت لا تعصي
إنساناً من بني جلدتك هو أقوى منك ، وعلمه يطولك ، وقدرته تطولك ، مستحيل ،
أبسط مثل تقف على الإشارة الحمراء والشرطي واقف ، شرطي آخر على دراجة ،
ضابط مرور في السيارة ، وأنت مواطن عادي ، هل يمكن أن تتجاوز الإشارة ؟
لأنك موقن أشد اليقين أن علم واضع القانون يطولك من خلال هذا الشرطي ، وأن
قدرته على سحب الإجازة وإيقاع أشد العقوبات تطولك ، بحسب فطرتك ، أنت حينما
توقن أن علم الله يطولك ، وأن قدرته تطولك ، تستقيم على أمره ، وهذا الحج :

﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ (97) ﴾

( سورة المائدة)

من
أجل ألا تتحرك بعد أن تأتي من الحج إلا وأنت موقن أن هذه الحركة يعلمها
الله ، هل عندك جواب لله لما غضبت ؟ لما رضيت ؟ لما وصلت ؟ لما قطعت ؟ لما
سالمت ؟ لما عاديت ؟ لما طلقت ؟

﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ (97) ﴾



( سورة المائدة)

﴿ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(16) ﴾

( سورة الحجرات)





أيها
الأخوة الكرام ، من أدق ما قاله المفسرون : إن المسلم بحجِ بيت الله
الحرام ، وتعظيمِ شعائر الله ، وعقدِ العزم على طاعة الله ، واتباعِ سنة
نبيه صلى الله عليه وسلم ، تقوم وتتحقق مصالحه في الدنيا والآخرة ، وعندئذ
تتوقف المعالجة الإلهية لقوله تعالى :

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾ .

( سورة النساء الآية : 147 )

هذا الكون سخره الله تسخير تعريف وتكريم ، تعريف :

((هلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ))

[ أبو داود عن قتادة]

أي
شيء أمامك له وظيفتان ؛ وظيفة نفعية أتقنها الغرب ، ووظيفة إرشادية أتقنها
المسلمون الأوائل ، وينبغي أن تجمع بين الوظيفتين ، أن تنتفع بما خلق الله
عز وجل ، وأن تكون هذه الأشياء دليلاً إلى عظمة الله والإيمان به .





يقول الله عز وجل :

﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ ﴾ .

( سورة النساء الآية : 147 )

لأن
هذا الكون مسخر لك تسخيرين ، تسخير تعريف وتسخير تكريم ، ردّ فعل التعريف
أن تؤمن ، وردّ فعل التكريم أن تشكر ، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك
.

يخلع الحاج ملابسة المَخيطة والمُحيطة ، ولا يعرف الإنسان قيمة
هذه الثياب المخيطة والمحيطة إلا إذا ارتدى ثياب الإحرام ، والتي تعبر بشكل
أو بآخر عن دنياه ، عن حجمه المالي ، عن مرتبته الاجتماعية ، عن مرتبته
الوظيفية ، بل عن درجته العلمية ، والدينية ، هذه الملابس جزء من دنيا
الإنسان ، لو كان بالسلك العسكري يضع النياشين ، لو كان مدني ثياب من أغلى
الأنواع ، الثياب تعبر عن مالك ، وعن مرتبتك ، وعن علمك أحياناً ، هناك
ثياب خاصة لمدرسي الجامعات ، للقضاة ، هذه الثياب تعبر عن دنياك ، عن
مكاسبك ، عن مرتبتك ، عن حجمك المالي ، أمرك الله أن تخلعها وكأنك بهذا
خلعت الدنيا كلها ، فيستوي في الطواف وفي السعي وفي عرفات أغنى الأغنياء
وأفقر الفقراء ، يستوي أقوى الأقوياء وأضعف الضعفاء .





أيها
الأخوة ، هذه الملابس المَخيطة والمحيطة ، تعبر عن نوع انتمائه إلى أمةٍ ،
هناك ثياب للهنود ، ثياب للباكستانيين ، تعبر عن انتمائه إلى أمة ، إلى
شعبٍ ، إلى قبيلةٍ ، إلى عشيرةٍ ، فلو بقي المسلم بلباسه لبقي ملتصقاً
بدنياه ، أو بقبيلته ، أو بطبقته ، أو بمَنْ على شاكلته ، ولكن الإسلام
لحكمةٍ كبيرة شرع اللون الواحد ، ثياب ليست مَخيطة ولا محيطة والتصميم واحد
، حتى تختفي الهوية الشخصية ، ويبدو البشر كياناً واحداً ، ومن ثم تتعامل
معهم بدافع إنساني خالص ، بعدما ذابت الفروق الطبقية ، والهويات الإقليمية ،
والانتماءات المتعددة ، ليبرز هذا اللباس لوناً واحداً هو الإنسان على
فطرته السليمة في مواجهة خالقه الواحد الديان .

وبعد أن يخلع الحاج
ثيابه المَخيطة والمحيطة ، ويرتدي الإحرام الموحد ، يدخل في أفق الممنوعات ،
ففي باطنه ممنوع أن يفكر في شيء يؤذي الحرم ، تفكير ، ممنوع أن يفكر في
شيء يؤذي الحرم ، ومع الناس ، فلا رفث ، ولا فسوق ، ولا جدال في الحج ،
ومع الحيوان ، فلا يُصطاد ، ولا يقتل ، ومع النبات فلا يقطع ، ولا يشوه ،
ومع الحجر فلا يكسر ، ولا يقتلع ، هذه الممنوعات التي هي من لوازم الإحرام ،
ليكون الحج سلاماً دائماً إلى كل الخلائق ، لذلك رأى النبي عليه الصلاة
والسلام جنازة فقال :

(( مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ ،
قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ
مِنْهُ ؟ قَالَ : الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ
الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ
يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ )) .

[ متفق عليه عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ]

هؤلاء
الطغاة الذين يقصفون ، ويدمرون ، ويحتلون ، وينهبون ، إذا مات أو انتهت
ولايته كلاهما سيان ، يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ
وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ ، جماد نبات حيوان إنسان ، هذه التقسيمات
الأصلية .





أيها الأخوة ، الحاج المحرم يُحظَر
عليه لُبسُ المخيط من الثياب ، ويُحظر عليه التطيُّبُ بكل أنواع الطيب ،
ويُحظر عليه الحلقُ والتقصيرُ ، ويُحظر عليه مقاربةُ المُتَعِ التي أُبيحت
له خارجَ الحج ، كلُّ ذلك ليُحْكِمَ اتصالَه بالله ، أحياناً بالفيزياء حتى
نعلم أثر عامل واحد نجمد بقية العوامل ، نسكنها ، لو أن الحج في مكان في
سويسرا فرضاً ، يختلط الحاج مع السائح ، لو كان على مدار العام ما في
ازدحام ، في بلاد جميلة ، هواء لطيف ، مناظر خلابة ، وديان خضراء ، بحيرات
رائعة ، الله عز وجل جعل الحج في وادٍ غير ذي زرع ، لا يوجد منظر ممتع لكن
في صلة بالله ، جمد لك كل عوامل اللذة والسعادة في الدنيا وحرك عاملاً
واحداً هو الاتصال بالله عز وجل .





لذلك حكمة الحج :

﴿ لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ (37) ﴾

( سورة إبراهيم )

بعيداً
عن كل مداخلة من متع الأرض ، ليتحقَّق الحاجُّ أنه إذا وصل إلى الله وصل
إلى كلِّ شيء ، هذه السكينة التي يقذفها الله في قلب المؤمن يسعد بها ولو
فقد كل شيء ، سعد بها إبراهيم وهو في النار ، وسعد بها يونس وهو في بطن
الحوت ، وسعد بها النبي عليه الصلاة والسلام وهو في الغار ، وسعد بها
أصحاب الكهف وهم في الكهف ، تسعد بها ولو فقدت كل شيء وتشقى بفقدها ولو
ملكت كل شيء ، الإنسان إذا وصل إلى الله وصل إلى كل شيء :

(( ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء ، وأنا أحب إليك من كل شيء )) .

[ مختصر تفسير ابن كثير ]

لذلك
الحاج وقد امتلأ قلبه سعادة ورضاً وصلة بالله عز وجل لسان حاله يقول : يا
رب ، ماذا فَقَدَ مَن وجدك ؟ وماذا وَجَدَ مَن فَقَدَكَ ؟ ..

إذا كان الله معك فمن عليك ؟ وإذا كان عليك فمن معك ؟

أيها
الأخوة الكرام ، الحج بهذه الممنوعات ، وبهذه المناسك التي لا تظهر حكمتها
للوهلة الأولى ، لا يلبي هذه الحاجة الفطرية إلى الطيب ، إلى قص الشعر ،
إلى الاستمتاع بما أباحه الله له خارج الحج ، من أجل أن يجمد الله كل المتع
الحسية ويحرك سعادة الاتصال به ، لذلك سيدنا عمر يقول : تفقهوا قبل أن
تحجوا .

فالعبادة في حقيقتها تعني خروج العبد من مراده إلى مراد ربه .





أيها
الأخوة ، أما عرفة ، يوم عرفة من الأيام الفضلى ، تجاب فيه الدعوات ،
وتقال العثرات ، ويباهي الله فيه الملائكة بأهل عرفات ، وهو يوم عظَّم الله
أمره ، ورفع على الأيام قدره ، وهو يوم فيه إكمال الدين ، وإتمام النعمة ،
ويوم مغفرة الذنوب ، ويوم العتق من النار ، إنه يوم اللقاء الأكبر بين
العبد المنيب المشتاق وبين ربه الرحيم التواب ، بين هذا الإنسان الحادث
الفاني المحدود الصغير وبين الخالق المطلق الأزلي الباقي الكبير ، وعندها
ينطلق الإنسان من حدود ذاته الصغيرة إلى رحاب الكون الكبير ، من حدود قوته
الهزيلة إلى الطاقات الكونية العظيمة ، من حدود عمره القصير إلى امتداد
الآباد التي لا يعلمها إلا الله .

فيوم عرفة يوم المعرفة ، ويوم
عرفة يوم المغفرة ، ويوم عرفة يوم تتنزل فيه الرحمات على العباد ، من خـالق
الأرض والسماوات ، وقد قيل : من وقف في عرفات ولم يغلب عـلى ظنه أن الله
غفر له فلا حج له .

من كمال العطاء أن يغفر الله لك ، وأن يلقي في
روعك أنه قبلك ، أظن جازماً أنه من وقف في عرفات مخلصاً ألقى الله في روعه
أنه قد غفر الله وعاد كيوم ولدته أمه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

((
ما من أيام عند الله أفضل من عشر ذي الحجة ، فقال رجل : هــن أفضل أم من
عدتهن جهاداً في سبيل الله ؟ قال : هن أفضل من عدتهــن جهاداً في سبيل الله
، وما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ، ينـزل الله تبارك وتعالى إلى
السماء الدنيا ، فيباهي بأهل الأرض أهل السماء ، يقول انظروا عبادي جاؤوني
شعثاً غبراً ضاحين ، جاؤوني من كل فج عميق ، يرجون رحمتي ولم يروا عذابي ،
فلم يُر يوم أكثر عتيقاً من النار من يوم عرفة)) .

[صحيح ابن حبان قريبا منه عن جابر رضي الله عنه]





أيها الأخوة ، النبي عليه الصلاة والسلام في يوم عرفة قبل أن تغيب الشمس يقول:

((
يا بلال ، أَنصِت لي الناس ، فقام بلال فقال : أنصتوا لرسول الله صلى الله
عليه وسلم ، فأنصت الناس ، فقـال عليه الصلاة والسلام : معشر الناس أتاني
جبريل آنفاً فأقرأني من ربـي السلام ، وقال : إن الله عز وجل غفر لأهل
عرفات ، وأهل المشعر الحرام ، وضمن عنهم التبعات ، فقام عمر بن الخطاب رضي
الله عنه قال : يا رسول الله هذه لنا خاصة ، قال : هذه لكم ، ولمن أتى من
بعدكم إلى يوم القيامة ، فقال عمر رضي الله عنه : كثر خير الله وفاض )) .

[الترغيب والترهيب عن أنس بن مالك رضي الله عنه]

((
ما من يوم أكثـــر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة ، وإنه
ليدنو عز وجل ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ماذا أراد هؤلاء ؟ انظروا إلى
عبادي شعثاً غبراً ، اشهدوا أني غفرت لهم )) .

[مسلم عن عائشة رضي الله عنها]

أيها
الأخوة الكرام ، إن الله يغفر للحاج ، ومبالغة في إكرام الحاج ، لمن
يستغفر له الحاج ، يعني أي خدمة تقدمها للحاج قبل سفره أو بعد مجيئه ، أي
خدمة تقدمها له والحاج امتلأ قلبه امتناناً منك واستغفر لك هذه عند الله
ثابتة .





أيها الأخوة :

(( ما رئي الشيطان
يوماً هو فيه أصغر ، ولا أدحر ، ولا أغيظ منه من يوم عرفة ، وما ذاك إلا
لما رأى من تنزل الرحمة ، وتجاوز الله عن الذنوب العظام )) .

[موطأ مالك عن أبي الدرداء رضي الله عنه]

((
قال خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخيـر ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا
إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)) .

[أحمد عن عمرو بن شعيب]

أفضل
شيء تصل إليه في الحج هو التوحيد ألا ترى مع الله أحداً ، ألا ترى زيداً
أو عبيداً ، القوة الكبيرة ، الأمة الطاغية ، الجهة المتغطرسة ، ألا ترى مع
الله أحداً :

﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ﴾ .

( سورة هود الآية : 123 )

(( وخيـر ما قلت أنا والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)) .

[أحمد عن عمرو بن شعيب]





أيها
الأخوة ، موقف عجيب في عرفات ، يغطيه نبات بشري ، مختلف ألوانه ، أغصانه
تلك الأيدي المرفوعة بالدعاء إلى رب الأرض والسماء ، يرى الحاج بين يديه
صورةً مصغَّرةً للمحشر العظيم يوم القيامة ، وعليه أن يستعدَّ له منذ الآن ،
لأن رحلة الحج يعود منها الإنسان إلى وطنه ، ولكن المحشر العظيم يوم
القيامة لا يعود منها الإنسان إلى وطنه ، إنها الرحلة قبل الأخيرة ، محشر
لا يوجد به أي تمايز ، بشر من كل الملل ، والنحل ، والشعوب ، والأقطار ،
والأمصار ، أغنياء وفقراء ، أقوياء وضعفاء ، علماء وجهلاء ، كلهم في مكان
واحد يرفعون أيديهم إلى الله عز وجل .

إنها الرحلة قبل الأخيرة من
أجل أن نستعد للرحلة الأخيرة ، الناس جميعاً بلباس موحد ، وبدعاء موحد ،
وبابتهال موحد ، كلهم ضعاف ، كلهم فرادى ، نموذج مصغَّر للرحلة الأخيرة ،
لقد كان الحج الرحلة قبل الأخيرة استعداداً للرحلة الأخيرة .


يتبـــــــــــــــــــــــــــــــــــــع


خطبة الجمعة 1

هيبة ملك
عضو ذهبي
هيبة ملك
عضو ذهبي

خطبة الجمعة 1  Fmfire10
خطبة الجمعة 1  1
ذكر
عدد المساهمات : 767
خطبة الجمعة 1  Empty
خطبة الجمعة 1  Clock13 الجمعة يوليو 27, 2012 2:10 pm

تسلم الأيادي
مجهود ممتاز
وموضوع رائع
للإبداع تميز عندك
تحياتي لك


 مواضيع مماثلة

-
» خطة الجمعة 2
» لنبداء الجمعة بسورة الكهف
»  أخبار نادي الهلال ليوم الجمعة 13-7-2012 من الصحف
» غداً الجمعة 200 مليون مشاهد ينتظرون انطلاقة يورو

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: ( القسم الإسلامي ) :: المنتدى الإسلامي العام-